محاضرة بعنوان الاشكالات القانونية للشهر العقاري
الاشكالات القانونية للشهر العقاري
في إطار المحاضرات الدورية والتي تنظم من طرف مجلس الدولة ألقيت يوم الاربعاء 2021/09/29 بقاعة الاجتماعات محاضرة بعنوان الاشكالات القانونية للشهر العقاري من طرف مستشارة الدولة بالغرفة الرابعة القسم الرابع تعرضت فيها الى المفهوم القانوني للشهر العقاري ودور المحافظ العقاري في عملية الشهر والشروط القانونية الواجب توفرها في الوثائق الخاصة بالشهر ثم المنازعات الناتجة عن رفض المحافظ العقاري الإيداع أو رفض الاجراء في حالة قبول الإيداع ثم موقف مجلس الدولة في هذا الشأن.
تعريف الشهر العقاري:
هو عبارة عن وسيلة وضعها القانون لإعلان التصرفات القانونية المتعلقة بالحقوق العقارية في سجلات علنية يسهل على كل شخص الاطلاع عليها، ويهدف الى احاطة جميع الناس علماً بالتصرف خاصة من لهم مصلحة بالعقار والوضع القانوني له.
وإذا كانت جميع الدول قد أخذت بنظام الشهر العقاري كوسيلة لتحقيق الثقة في المعاملات فإنها لم تسلك في ذلك نفس السبيل، مما أدى الى قيام نظامين:
01/ نظام الشهر الشخصي:
يكون الشهر فيه طبقاً لأسماء الأشخاص الملاك، فالعقار في هذا النظام لا يعرف بموقعه الا أن هذا النظام كان قاصر لكونه تضمن عيوب فتبقى الحقوق العقارية في هذا النظام عرضة للتغيير والزوال، مما أدى إلى ظهور نظام الشهر العيني.
02/ نظام الشهر العيني:
هذا النظام يرتكز على شهر التصرفات العقارية على العين ذاتها عن طريق تسجيل جميع التصرفات والوقائع القانونية المنصبة على حقوق عقارية سواء أصليا أو تبعيا ويتم تسجيلها في السجل العقاري لتمكين الجمهور من الاطلاع عليها وهذا النظام حقق الإستقرار للمعاملات ومنها جاء مبدأ الثبوتية والشرعية، وبمجرد الاطلاع على الأمر 75/74 المؤرخ في 1975/11/12 المتضمن اعداد مسح الأراضي وتأسيس السجل العقاري وما صاحبه من مراسيم تنفيذية كالمرسوم 76/62 المتضمن اعداد مسح الأراضي العام والمرسوم التنفيذي 76/63 المتضمن تأسيس السجل العقاري المؤرخ في 1976/03/25 المعدل والمتمم والمشرع الجزائري أخذ بهذا النظام وفي هذا النظام لا يشهر حق عيني الا بعد تنقيته من كل شائبة والمحافظ العقاري في ظل هذا النظام يعد المحور الأساسي وقد أوكل له المشرع مهمة مراقبة مدى استفاء السندات المراد شهرها و كل الشروط الشكلية والموضوعية كما جاء في نص المادة 105 من المرسوم 76/63 فالمحافظ العقاري يتحقق بمجرد ايداع الوثيقة للشهر بأن موضوع العقد مشروعا ولا يتنافى مع الأخلاق و النظام العام وبذلك فإن المشرع سمح للمحافظ العقاري النظر في موضوع العقد وهذا ما أدى الى وجود عدة قضايا من هذا النوع عندما يرفض المحافظ شهر العقد بعد النظر في موضوع العقد .
من مزايا هذا النظام أن التصرفات التي تشهر في هذا النظام هي قرينة قاطعة على الملكية بالنسبة للعقار أو الحق العيني موضوع الشهر ويصبح التصرف مظهرا من العيوب ومنه فإن الحقوق المقيدة حقيقية مؤكدة ونهائية.
أما عيوب هذا النظام فإن العمل بهذا النظام يستدعي في بداية الأمر مسحاً شاملاً لكل الأراضي، كما يتطلب انشاء بطاقة عقارية لكل عقار وهذا يقتضي توفير الكثير من المال والأعوان المختصون ورغم هذه العيوب الا أنها لا تقلل من اعتباره النظام الأكثر نجاعة والأفضل سبل لحماية الملكية العقارية.
دور المحافظ العقاري في عملية الشهر.
يتولى المحافظ العقاري باعتباره المسؤول الأول على عملية الشهر الوثائق المقدمة له ويراعي في ذلك القواعد والشروط التي وضعها المشرع لصحة التصرفات العقارية لذلك قرر المشرع قاعدتين أساسيتين:
أولاً: اخضاع مجمل المحررات المراد شهرها لقاعدة رسمية.
ثانياً: اخضاعها لفائدة الشهر المسبق (أو ما يعرف بالأثر النسبي للشهر) فالمحافظ العقاري كامل الصلاحيات لرفض طلب الشهر اذا ما تبين له خلال مراقبته أنه لم يكن محل شهر مسبق بالمحافظة لكن هناك استثناء لهذه القاعدة المتمثلة في استحالة الشهر المسبق عندما يكون هذا الإجراء باعتباره الأول أو بالنسبة للعقود العرفية التي اكتسبت تاريخا ثابتا قبل 01/01/ 1971 وهو الإستثناء الموجود بالمادة 03 من المرسوم 80/210 المؤرخ في 13/12/1980.
الشروط القانونية الواجب توفرها في الوثائق الخاصة للشهر:
حتى تلقى التصرفات القانونية الحجية المطلقة والحماية التامة أثناء عملية الشهر فإنه من الضروري أن تكون المعلومات التي يتضمنها هي معلومات صحيحة تعكس بالفعل واقع التصرف وأطرافه من أجل ذلك وضع المشرع مجموعة من الشروط:
01- الشرط الخاص بالأطراف الصادر عنها التصرف: لابد أن يكون صاحب حق وأن يتحمل الإلتزام بالاضافة الى التصديق على هوية الأطراف لتفادي الوقوف في الأخطاء (المادة 100 من الأمر 76/63).
02- الشرط الثاني يتعلق بالعقارات: يقوم المحافظ بمراقبة مدى استيفاء التصرف الوارد على العقار لشروطه الشكلية ( التعيين الدقيق للعقار، طبيعته، موقعه، مساحته المادة 100 اعلاه).
بالإضافة الى صلاحيات المحافظ في مراقبة صحة التصرفات القانونية والمعلومات التي تتضمنها الوثائق المودعة يتولى القيام بجملة من الإجراءات القانونية لتنفيذ عملية الشهر وقد أوجب المشرع على محرري العقود والوثائق الأخرى الخاضعة لعملية الشهر.
القيام بتسجيلها لدى مصالح التسجيل والطابع حتى تكتسب تاريخا ثابتاً، وباعتبار الايداع اجراء قانوني فإن طلب الشهر يقوم بإيداع السند بقسم الإيداع في شكلها الرسمي ويتولى عملية الإيداع أشخاص مؤهلون (الموثق والموظف العمومي) وعلى محرري العقود ايداعها في الآجال المحددة قانونا بالمادة 99 من المرسوم 76/63 الا أن الآجال تم تعديلها بموجب المادة 31 من قانون المالية 1999.
محل الإيداع: يختلف محل الايداع باختلاف ما اذا كان الأمر يتعلق بالتسجيل أو القيد (الشهر) للحقوق الأصلية أو التبعية (كعقد الرهن – حق الامتياز)
اذن لكي يتم قبول الايداع فإنه يستلزم على المحافظ العقاري التأكد من أن الوثيقة المودعة تتضمن مراجع أصل الملكية تطبيقا لقاعدة الشهر المسبق بالإضافة الى مراجع التسجيل طبقا للمواد 93 الى 100 من الأمر 76/63 اعلاه وبمجرد قبول الايداع ينتقل المحافظ الى مرحلة تنفيذ اجراء الشهر.
-مرحلة اجراء عملية الشهر:
بعد أن يتأكد المحافظ من الايداع القانوني للوثيقة يقوم بعملية الشهر خلال مدة 15 يوما التالية لتاريخ الايداع فيكون بذلك الشهر العقاري أثر فوري وتصبح للوثيقة حجية سواء بين المتعاقدين أو تجاه الغير من تاريخ شهرها المادة 15 و 16 من الأمر 74/75 أعلاه وينتج عن اجراء الشهر انشاء البطاقة العقارية.
الايداع غير القانوني لدى المحافظ: وضع المشرع في يد المحافظ العقاري وسيلتين قانونيتين وهما رفض الايداع أو رفض الاجراء في حالة قبول الايداع.
- رفض الايداع:
ان رفض الايداع من المحافظ يأتي مباشرةً بعد ايداع الوثائق المراد شهرها بعد مراقبة سريعة ودقيقة للوثائق ، يبلغ المعني بالأمر ما ظهر له من نقص في البيانات (كعدم اشهار المحررات المرتكز عليها في عملية التصرف) وذلك خلال 15 يوم من الايداع والرفض يخص الوثيقة بأكملها اذا ما تبين للمحافظ وجود نقص أو خلل في الشروط الشخصية للأطراف أو في البيانات الوصفية للعقار وهي الحالات التي عددتها المادة 100 من المرسوم 76/63 أعلاه على سبيل الحصر والأصل في رفض الايداع اجراء كلي، الا أنه في بعض الأحيان يكون الرفض جزئيا اذا تعلق الأمر بالحالات المنصوص عليها في المادة 106 من المرسوم 76/63 ويتعلق الأمر بحالة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو احالة ما اذا كانت الوثائق المودعة قصد الشهر امتيازات أو رهون تتضمن خلافات في التعيين لبعض العقارات المترتب عليها حقوق .
يبلغ المحافظ قراره بالرفض بواسطة رسالة مضمنة مع اشعار بالوصول موجهة للموقع على التصديق ويحدد فيه تاريخ الرفض وأسبابه والنص القانوني مع توقيع المحافظ وهو بمثابة القرار الإداري القابل للطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.
وقد خول المشرع للمودع في حالة رفض الايداع أن يقدم طلب ايداع جديد بعد تصحيحه للوثيقة محل الرفض ولا تتم عملية الشهر الا بعد الايداع الجديد والتصحيح وأما اذا اعتبر المودع أن قرار الرفض جائزا في حقه فإن له مهلة شهرين للطعن في قرار رفض الايداع أمام القضاء أما عند قبول الايداع ورفض الإجراء (الشهر) قد يحدث أن يقبل المحافظ عملية الايداع ويرفض اتمام الشهر اذا تبين له بعد الفحص الدقيق والمقارنة مع البيانات المقيدة على مجموعات البطاقات العقارية بأنها مشوبة بعيب سواء ما تعلق بها بعدم التعيين الدقيق للأطراف أو العقارات أو أن التصرف الذي يحمله المحرر مخالفا للنظام العام والآداب العامة حسب ما نصت عليه المادة 105 من المرسوم 76/63 ويمكن أن يوقف اجراء الشهر اذا ما توفرت أحد الأسباب التي عددتها المادة 106 من المرسوم 76/63 على سبيل الحصر.
-الطعن في قرارات المحافظ العقاري سواء ما تعلق منها بالإيداع أو الإجراء:
فإنها قابلة للطعن حسب ما نصت عليه المادة 24 من الأمر 74/75 وأما عن الميعاد لرفع الدعوى فقد حددتها المادة 110 من المرسوم 76/63 بمدة شهرين من تاريخ تبليغ الرفض وترفع الدعاوى ضد وزير المالية ممثلا من طرف مدير الحفظ العقاري وللطعن في قرارات المحافظ العقاري فإن المشرع أعطى الحق للشخص المتضرر الطعن في قراراته حتى يتم استدراك الأخطاء المرتكبة من طرفه ويكون ذلك أمام القضاء الذي يصدر قرارا إداريا بإلغاء مقرر الرفض المطعون فيه، والزام المحافظ العقاري بشهر السند أو برفض الدعوى في حال ما اذا كان قرار الرفض لا يشوبه أي عيب أو مخالفة للنصوص القانونية المعتمد عليها.
_ وما يمكن استخلاصه أن المشرع الجزائري منح صلاحيات واسعة للمحافظ العقاري تمتد الى غاية فحص ومراقبة مدى صحة السندات المقدمة للشهر وذلك بسبب الطبيعة الخاصة لعملية الشهر التي لها دور في تفعيل استقرار الملكية العقارية.
واجتهادات مجلس الدولة في هذا الشأن كثيرة منها ما ذهبت الى اعتبار القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري في رفض الايداع أو القيد مبررة ومؤسسة قانونا مثل القضايا المتعلقة بمراقبة مدى صحة السند المراد شهره أو الغاء المقرر الصادر عن المحافظ بالرفض المعتمد في تسبيبه على التعليمات والمذكرات الصادرة عن وزير المالية وترك النصوص القانونية جانبا.